الأحد، 16 يوليو 2017

« نَصِيحَةُ اﻷُمَّة في جَوَابِ عَشْرَةِ أَسْئِلَةٍ مُهِمَّةٍ »



« نَصِيحَةُ اﻷُمَّة في جَوَابِ عَشْرَةِ أَسْئِلَةٍ مُهِمَّةٍ »

لِلْإِمَام العَلَّامة الشَّيْخ / عَبد العَزِيز بن باز
- رَحِمَهُ اللهُ تعالى - العَدَد : [ ٢ ]

السؤال الثاني :
سماحة الوالد : نعلم أن هذا الكلام أصل من أصول أهل السُّنَّةِ والجَمَاعَة ،
ولكن هناك - للأسف - من أبناء أهل السنة والجماعة مَنْ يَرى هذا فكرًا انهزاميًّا ، وفيه شيء من التخاذل ، وقد قيل هذا الكلام ، لذلك يَدْعُون الشَّباب إِلى تَبَنِّي العنف في التغيير .

الجواب :
هذا غَلَطٌ مِنْ قائله ، وقِلَّةِ فَهْمٍ ،
لأنهم ما فَهِمُوا السُّنة ، ولا عَرَفَوها كما ينبغي ،
وإِنما تحملهم الْحَمَاسَةُ والغَيْرَة لإِزالة الْمُنْكَر ،
على أن يقعوا فيما يخالف الشرع ، كما وقعت الخوارج والمُعْتَزِلَة ، حَمَلَهُمْ حُبُ نَصْرِ الحق أو الغَيْرة للحق ، حملهم ذلك على أن وقعوا في الباطل ،
حتى كَفَّروا المسلمين بالمعاصي ،
كما فعلت الخوارج ، أو خلَّدوهم في النار
بالمعاصي ، كما تفعل المعتزلة .
فالخوارج كَفَّروا بالمعاصي ،
وَخلَّدوا العصاة في النار ، والمعتزلة وافقوهم في العاقبة ، وأنهم في النار مُخَلَّدون فيها .
ولكن قالوا : إِنهم في الدنيا بمنزلة بين المنزلتين ، وكُلـُّه ضَـــــلَال .
والذي عليه أهل السنة - وهو الحق - أن العاصي لا يكفر بمعصيته ما لم يستحلها ، فإِذا زنا لا يكفر ،
وإِذا سرق لا يكفر ، وإِذا شرب الخمر لا يكفر ،
ولكن يكون عاصيًا ضعيف الإِيمان ، فاسقًا تقام عليه الحدود ، ولا يكفر بذلك ، إِلا إِذا اسْتَحَلّ المعصية
وقال : إِنها حلال .
وما قاله الخوارج في هذا باطل ، وتكفيرهم للناس باطل ، ولهذا قال فيهم النبي ﷺ :
« إِنهم يَمْرُقُون من الدِّين مروق السَّهْمِ من الرَّميَّة ،
ثم لا يعودون إِليه ، يُقَاتِلون أهل الإِسلام ،
ويَدَعُونَ أهل الأوثان » .
هذه حال الخوارج ، بسبب غلوهم وجهلهم وضلالهم ،
فلا يليق بالشباب ولا غير الشباب ، أن يُقَلِّدوا الخوارج والمعتزلة ، بل يجب أن يسيروا على مذهب أهل السنة والجماعة ، على مقتضى الأدلة
الشرعية ، فَيَقِفُوا مع النصوص كما جاءت ، وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصية أو معاصٍ وقعت منه ، بل عليهم المناصحة بالمكاتبة
والمشافهة ، بالطُّرُق الطيبة الحكيمة ، وبالجدال بالتي هي أحسن ، حتى ينجحوا ، وحتى يَقِلَّ الشر أو يزول ، ويكثر الخير .
هكذا جاءت النصوص عن رسول الله ﷺ ،
والله عز وجل يقول :﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ .
فالواجب على الغيورين لله ، وعلى دعاة الهدى ،
أن يلتزموا حدود الشرع ،
وأن يناصحوا من ولاهم الله الأمور ،
بالكلام الطيب ،
والحكمة ،
والأسلوب الحسن ،
حتى يكثر الخير ويقل الشر ،
وحتى يكثر الدعاة إِلى الله ،
وحتى ينشطوا في دعوتهم بالتي هي أحسن ،
لا بالعنف والشدة ،
ويناصحوا من ولاهم الله الأمر ،
بِشَتَّى الطرق الطيبة السليمة ،
مع الدعاء لهم بظهر الغيب :
أن الله يهديهم ،
ويوفقهم ،
ويعينهم على الخير ،
وأن الله يعينهم على ترك المعاصي التي يفعلونها ، وعلى إِقامة الحق .
هكذا يدعو المؤمن الله ويضرع إِليه :
أن يهدي الله ولاة الأمور ،
وأن يعينهم على ترك الباطل ،
وعلى إِقامة الحق بالأسلوب الحسن ،
وبالتي هي أحسن ،
وهكذا مع إِخوانه الغيورين ، ينصحهم ويَعِظُهُم ويُذَكِّرهم ، حتى ينشطوا في الدعوة بالتي هي أحسن ، لا بالعُنْفِ والشِّدَّة ، وبهذا يكثر الخير ،
ويقل الشر ، ويهدي الله ولاة الأمور للخير والاستقامة عليه ، وتكون العاقبة حميدة للجميع .

[ المصدر : مجموع فتاوى ومقالات متنوعة
الجزء الثامن : ص : ٢٠٤ - ٢٠٦ ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق